آخر تحديث :الأربعاء-04 يونيو 2025-05:23م
مجلة القشم الثقافية

الحياة ثقافة والثقافة حياة

الثلاثاء - 03 يونيو 2025 - 07:26 م بتوقيت عدن
الحياة ثقافة والثقافة حياة
اللجنة الإعلامية لمنتدى القشم الثقافي التنموي

الحياة ثقافة والثقافة حياة


كتبها الدكتور/ علي منير حرب ..(لمجلة القشم الثقافية).


الحياة ثقافة:

الحياة مصدر لا ينضب للمعرفة والتنمية.

حياة كل منّا ليست مجرّد وجود مادي، أو تراكم عُمر نمطي، إنمّا هي مجموعة من المتساقطات المعرفية التي تشكّل ثقافتنا، لنعيشها ونحدّد عبرها طرق تفكيرنا وسلوكنا وعلاقاتنا بالآخرين.

كل ما في الحياة يفيض ثقافة، وما حياة المرء منذ الشهقة الأولى وحتى الزفرة الأخيرة، إلّا فعل تنفّس ثقافي لا ينقطع ولا يتوقّف.

الوليد واليافع والرجل، بين يدي أسرته وأساتذته ومجتمعه، وفي ظلّ نظام دولته، هو مشروع ثقافي واعد، أُعدّ بكل الطاقات للتزوّد بالهواء الثقافي، غذاءً روحيًا وفكريًا، كما جُهّز بكل المرافئ لتصدير مخرجات ثقافته للعالم من حوله.

كل لقاء أو فعالية، يضخّ مناعة وتجربة تنوّعية خلّاقة، وكل تجربة هي معرفة، وكل معرفة هي مولّد وعي، وكل وعي هو معول تغيير وتطوّر.

كيفما كانت حياة أجدادنا الأوائل، ومهما قيل عن توحّشهم، فإنهم كانوا صُنّاع ثقافة. عندما طوّعوا العظام والمعادن، واكتشفوا النار، واخترعوا رموزًا ولغة، وأخضعوا الأرض لمحراثهم، ونصبوا الخيام لاجتماعهم، إنما كانوا يقتحمون حصون الثقافة ليبنوا حياة مختلفة، ويشيدوا أبراج حضارات ما زالت أنوارها تقدح في عيون العالم منذ آلاف السنين.

في الأسطورة أن الإله الإغريقي "زيوس"، تنكّر في هيئة ثور وخطف الصبية "أوروب بنت أجنور ملك صور"، فهبّ إلى إنقاذها أخوها "قدموس"، ولحق بالخاطف موغلًا في بحر إيجه. استقبله الأغارقة وأبدوا استعدادهم لمساعدته باستعادة أخته "أوروب". لم يدبّج "قدموس" لهم قصيدة شكر، لكنه أعطاهم علم ما كانوا يجهلون، وأهداهم المفتاح الذهبي للثقافة، فعلّمهم الأبجدية وكيف يكتبون.

كان هؤلاء الأجداد أهراءات ثقافة، ونحن من بعدهم نلتقط قمحها وثمارها مع هبّات الرياح، والترحال في جوانب الأرض ومخالطة الشعوب الأخرى.


الثقافة حياة:

فيما نستغرق في جمع حصاد الثقافة لنغذّي ذاكراتنا ونعمّر هويتنا، إذ بنا نكتشف أن هذه الثقافة هي حياتنا، وهي معنى وجودنا، وهي مقياس تطوّرنا، وهي التي تمنحنا القدرة على أن نعيش حياة غنية.

من لم يردْ نبع الثقافة يعشْ تائهًا في صحراء موحشة، ومن لم يُحسنْ هضم ثقافته، وإعادة إنتاجها كوكبًا نورانيًا هاديًا، يُصَبْ بالتخمة المعرفية ويبقَ من غير إرث ولا أثر.

فكما صنعنا من الحياة ثقافة، ها هي الحياة تكرّمنا بالثقافة نفسها، لتنعش فينا روح حياتنا وجدوى أعمارنا.

بين الثقافة والحياة رابط حيوي جوهري، فلا حياة من غير ثقافة ولا ثقافة من غير حياة.